خالد الشربيني يكتب: روبوت “ست البيت” بين الرفاهية والمخاطر

لم تعد فكرة الخادمة الآلية مجرد مشهد من أفلام الخيال العلمي أو حلمًا ترويه الدراما للأطفال؛ فالسخرية المتداولة منذ سنوات—بأن الذكاء الاصطناعي لا يغسل الصحون ولا يُذاكر للأطفال—تحوّلت اليوم إلى واقع مع الإعلان عن طرح أول روبوت منزلي متكامل يؤدي مهام «ست البيت» بدقة واتساع لافتين.
الروبوت الجديد، الذي تستعد شركة أمريكية لطرحه عالميًا، سيُباع بسعر يقارب 20 ألف دولار، مع إمكانية استئجاره بنحو 500 دولار شهريًا، ويُطرح بالألوان التقليدية للأجهزة المنزلية. وتؤكد الشركة أن وزنه، الذي لا يتجاوز 66 رطلًا، يشكّل ميزة تنافسية لأنه يقلل مخاطر السقوط على الأطفال أو الحيوانات المنزلية. كما تعمل حاليًا على تطوير قدرات تسمح للروبوت بأداء المهام بمجرد ملاحظتها، دون انتظار أوامر صوتية.
ورغم هذا المشهد اللامع، يلفت الخبراء إلى جانب أكثر حساسية.
الدكتور خالد صقر، المدير التنفيذي لإحدى الشركات البريطانية، يشير إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في تطوير الذكاء أو تعدد الوظائف، بل في رفع مستويات الأمان وضمان اعتمادية التشغيل. فمنذ منتصف القرن الماضي، رسمت السينما صورة للروبوت المنزلي المثالي، لكن الواقع التقني كشف عن معضلات تتجاوز البرمجة والقدرات الحركية.
وبحسب الاتحاد الدولي للروبوتات، تجاوزت مبيعات روبوتات الخدمة المهنية 205 آلاف وحدة عام 2023 بزيادة بلغت 30%، بينما وصل عدد الروبوتات المخصّصة للمستهلكين إلى نحو 20 مليون جهاز، تستحوذ روبوتات التنظيف على أكثر من نصفها. ومع ذلك، لم يتحقق الانتشار الكبير الذي كانت تتوقعه شركات التكنولوجيا، بل إن بعضها أنهى مشروعاته بسبب ضعف جدوى السوق.
وتنقسم الروبوتات المنزلية إلى نوعين:
الأول يشبه الإنسان ويُصمم للتفاعل الاجتماعي، لكنه ما يزال مرتفع التكلفة ومحدود الأمان.
أما الثاني، غير الشبيه بالبشر، فيشمل روبوتات التنظيف والمراقبة المنزلية، وهو الأكثر انتشارًا لاعتماديته ووظائفه المحددة.
ورغم التقدم الوظيفي، تتزايد التحذيرات من مخاطر السلامة وأمن المعلومات. فالتجارب الميدانية لا تزال تسجل حوادث ناتجة عن سوء تقدير الحركة أو التعرف الخاطئ على الأشياء. كما كشفت حوادث أخرى أن بيانات المنازل قد تنتقل عبر سلاسل تعاقد تقنية معقدة، ما يجعلها عرضة للتداول أو الاختراق دون علم المستخدم.
فالروبوت المنزلي المعاصر لا ينظف الأرضيات فحسب، بل يرسم خرائط دقيقة للمنازل ويجمع أنماط الحركة اليومية، ليصبح جزءًا من البنية المعلوماتية للبيت وربما الدولة. ورغم وجود معايير دولية تنظّم السلامة، إلا أن الجانب السيادي للبيانات يظل ثغرة كبيرة، لأن المنازل مساحات شخصية بطبيعتها، وليست منشآت صناعية.
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يظل السؤال الأبرز:
من يملك بيانات البيت؟ ومن يراقب من؟
إن مستقبل «الروبوت الخدّوم» لن يُقاس بعدد الأجهزة المطروحة في الأسواق، بل بقدرة الدول والمجتمعات على صياغة قوانين واضحة تحفظ خصوصية الأسر وتضمن سيادة بياناتها في زمن يتسع فيه حضور الذكاء الاصطناعي داخل أدق تفاصيل الحياة




