“المهنة غير المرئية”.. نجوم الدبلوماسية الوطنية بين مصر وتركيا عبر التاريخ

بقلم: رفعت عبد السميع
في عالم السياسة والعلاقات الدولية، هناك مهن لا تظهر على السطح، لكنها ترسم ملامح التاريخ بصمت، وتصنع التحولات الكبيرة خلف الكواليس. ومن بين تلك المهن، تبرز الدبلوماسية بوصفها “المهنة غير المرئية”، حيث يقف رجالها في الظل، ينسجون خيوط التفاهم والتقارب بين الشعوب والدول، ويدفعون ثمن إخلاصهم أحيانًا من أرواحهم.
أحد أبرز هؤلاء كان السفير التركي الراحل سميح جونقر، الذي خدم سفيراً لتركيا في القاهرة خلال الفترة العصيبة بين عامي 1965 و1972، وهي مرحلة اتسمت بتقلبات سياسية كبرى، بداية من تصاعد الصراع العربي الإسرائيلي، مرورًا بنكسة 1967، ووصولًا إلى إعادة بناء الجيش المصري واستعدادات معركة التحرير.
وثّق جونقر تجربته في كتابه الهام “المهنة غير المرئية”، حيث أضاء بتفاصيل إنسانية ومهنية كيف أن علاقاته الإيجابية بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن بعده الرئيس أنور السادات، ساعدت على تجنيب العلاقات المصرية التركية أي توترات، بل وأسهمت في بناء جسور متينة من التفاهم والتعاون. كما أضاء في كتابه صفحات مشرقة من سيرة فاتين رشدي زورلو، شهيد الديمقراطية في تركيا، في موقف يعكس تقديره للرموز الوطنية.
واليوم، تعيدنا الأقدار إلى صورة مشابهة، لكن في زمن مختلف، حينما تُساق إلى القاهرة شخصية دبلوماسية نشطة، وطنية، تحمل محبة خالصة لمصر وتركيا، هو السفير صالح مطلو شن، الذي يعمل بصمت وتفانٍ، ناشرًا روح التعاون والثقة بين البلدين، في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية التركية تحولات إيجابية تاريخية.
السفير صالح مطلو شن ليس مجرد دبلوماسي يؤدي واجبه، بل جسر إنساني وسياسي عبرت عليه العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى بر الأمان. وقد أصبح اليوم نموذجًا لما يجب أن يكون عليه رجل الدولة والدبلوماسي الوطني: التوازن، الحكمة، المحبة، والقدرة على كسب قلوب الناس إلى جانب دعم الملفات الرسمية.
إن تكريم هذه النماذج، من جونقر إلى مطلو شن، هو بمثابة تقدير لجنود الظل الذين حملوا عبء الدبلوماسية الوطنية، وأسهموا في صنع لحظات التوافق والتقارب بين الشعوب، حين كان العالم في أمس الحاجة إلى رجال عقلاء يؤمنون بأن السلام والمحبة هما أساس أي مستقبل مشترك.
تحية لمصر وتركيا، وتحية لكل المخلصين الذين يكتبون التاريخ بصمت.. ويصنعون الفرق في المهنة غير المرئية.