خالد الشربيني يكتب : زهرة الليل.. كيف تزرع قرية مصرية عطر شانيل وتوم فورد؟

في قلب الدلتا، وتحديدًا في محافظة الغربية، تقع قرية صغيرة تُدعى شبرا بلولة. قد تبدو كأي قرية مصرية هادئة، لكن الواقع أنها تحمل سرًا عطريًا يهمس في أذن العالم كل ليلة… فهنا، بين الحقول الخضراء، تُزرع أكثر من 70٪ من زهور الياسمين المستخدمة في صناعة العطور عالميًا.
نعم، من هذه الأرض البسيطة، يبدأ طريق العطور الفاخرة التي تحمل توقيع شانيل، توم فورد، غيرلان، إيف سان لوران، وغيرها من بيوت العطر الكبرى. زهرة الياسمين المصرية، تحديدًا من شبرا بلولة، هي الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها تركيبات العطور الأكثر شهرة وأناقة في العالم.
موسم الحصاد… يبدأ حين ينام العالم
على عكس المحاصيل الأخرى، لا تُحصد زهور الياسمين في النهار، بل يبدأ الحصاد في منتصف الليل وحتى قبيل الفجر، لأن هذا هو التوقيت الذي تبلغ فيه الزهرة ذروتها العطرية، وتحتوي على أعلى نسبة من الزيت العطري الخام.
يخرج الفلاحون والفلاحات بهدوء، وكأنهم في طقس صوفي، يلمسون الزهور بأطراف أصابعهم، كمن يوقظ طفلاً نائمًا. مهمة تبدو ناعمة، لكنها في حقيقتها مرهقة وتحتاج لصبر طويل ومحبة حقيقية، فكل زهرة يجب أن تُجمع بعناية قبل أن تذبل، وكل دقيقة لها ثمن.
من القرية إلى قنينة العطر
يُجمع في قرية شبرا بلولة وحدها ما يصل إلى 6 أطنان من زهور الياسمين يوميًا خلال الموسم، والذي يمتد من يونيو حتى أكتوبر. هذه الكميات تُرسل بسرعة إلى مصانع استخلاص الزيوت العطرية القريبة، حيث يُنتج منها زيت عطري فائق النقاء.
وتُصدر مصر ما يقرب من 90% من إنتاجها من زيت الياسمين إلى الأسواق العالمية، وتحديدًا إلى فرنسا، لتُستخدم في صناعة العطور الفاخرة التي تُباع بمئات الدولارات.
مصر… من أكبر منتجي العطر في العالم
رغم أن الهند وفرنسا هما من اللاعبين الكبار في سوق الياسمين، إلا أن مصر، بفضل قرية شبرا بلولة تحديدًا، باتت من أكبر ثلاث دول منتجة ومصدرة لزيت الياسمين في العالم.
لكن المدهش أن شبرا بلولة وحدها تنتج أكثر من 70% من الإنتاج العالمي من زهور الياسمين العطري. وهذا الرقم المذهل يجعل من هذه القرية نقطة ارتكاز لا غنى عنها في سلاسل توريد العطور الفاخرة حول العالم.
اقتصاد الريف… وعطر العالم
وراء كل زجاجة عطر تباع في باريس أو نيويورك، هناك أيادٍ مصرية تعمل في صمت. الياسمين ليس مجرد زهرة، بل هو اقتصاد متكامل يوفّر آلاف فرص العمل في الزراعة، الجمع، التصنيع، والتصدير، كما يُدر لمصر عملات صعبة ويعزز قوتها الناعمة عالميًا.
ورغم هذه الأهمية، لا تزال شبرا بلولة وقرى زراعة الياسمين في حاجة إلى دعم حكومي مستمر لتحسين البنية التحتية، وتوفير تقنيات حديثة لحفظ جودة الزيت، وحماية هذه الصناعة التي تمثل كنزًا قوميًّا غير مستغل بالكامل.
شبرا بلولة… حيث يُزرع العطر ويُصدّر الحُب
ربما لا يدرك أهل شبرا بلولة حجم ما يفعلونه كل ليلة. لكن العالم يدرك. كل زجاجة عطر تحمل توقيع “شانيل رقم 5” أو “توم فورد بلاك أوركيد” هي في الحقيقة بداية حكايتها كانت هنا… بين حقول الياسمين المصرية.
من أرض بسيطة، ومن قلوب تعبق حبًا وصبرًا… تُصدّر مصر للعالم “رائحة الحُب”