مقالات

خالد الشربيني يكتب: من سيخلف الأمين العام لجامعة الدول العربية؟

منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، ظل منصب الأمين العام للجامعة من أكثر المناصب حساسية وتأثيرًا في المشهد السياسي العربي، بوصفه الواجهة الرسمية للجامعة في المحافل الإقليمية والدولية، وعنوانًا لاتجاهات التوافق العربي ـ أو غيابه.

وباستثناء حالة واحدة، استأثرت مصر بهذا المنصب الحساس على مدار ثمانية عقود تقريبًا، في تقليد سياسي غير مكتوب عزّز من هيمنة القاهرة على مفاصل القرار داخل الجامعة، مدعومًا بثقلها التاريخي والسياسي والثقافي. فمن عبد الرحمن عزام أول أمين عام عام 1945، إلى أحمد أبو الغيط في ولايته الثانية الحالية، تعاقب على المنصب سبعة دبلوماسيين مصريين، باستثناء التونسي الشاذلي القليبي الذي تولى المنصب بين 1979 و1990 خلال فترة مقاطعة عربية لمصر عقب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد.

لكن يبدو أن هذا “الاحتكار التاريخي” يواجه اليوم تحديات صامتة، تتبلور على وقع تغيّرات عميقة في موازين القوى السياسية والاقتصادية داخل المنطقة، وسط تصاعد الأصوات المطالبة بـ”تدوير المنصب” ليعكس حقيقة التنوع العربي، لا مركزية القرار.

ترشيحات مبكرة.. وسباق خلف الكواليس

ورغم أن ولاية أحمد أبو الغيط تنتهي رسميًا في يونيو 2026، فإن الحديث عن خلفه المحتمل بدأ مبكرًا هذا العام. فقد فاجأ البرلماني والإعلامي المصري مصطفى بكري المتابعين عندما أعلن على منصة “إكس” أن “مسؤولًا مصريًا كبيرًا سيغادر منصبه قريبًا لتولي منصب الأمين العام للجامعة”، في إشارة قلبت التوقعات، وأعادت طرح أسماء جديدة لم تكن على لائحة الترشيحات التقليدية.

ومن أبرز الأسماء التي تتردد في هذا السياق:

  • السفير سامح شكري، وزير الخارجية السابق، والذي يُعتبر الأكثر منطقية في حال استمرار القاهرة في الحفاظ على المنصب.
  • السفير بدر عبد العاطي، الذي لمع اسمه بقوة في الأوساط الدبلوماسية، ويبدو أنه يتمتع بدعم أوساط معينة داخل الدولة.
  • رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي برز اسمه بشكل مفاجئ في دوائر التحليل السياسي، ما أثار تساؤلات عن مدى جدية هذا الطرح، وهل يعكس مجرد شائعات أم ترتيبات فعلية.

دول الخليج تتحرك.. هل تكسر التقاليد؟

الجدل حول المنصب ليس جديدًا، فقد حاولت دول مثل قطر والسودان كسر هذا الاحتكار المصري في عام 2011، بترشيح عبد الرحمن العطية، الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، لخلافة عمرو موسى، إلا أن التوافق العربي في النهاية ذهب لصالح مصر، عبر ترشيح نبيل العربي بديلاً لـمصطفى الفقي الذي افتقد الإجماع حينها.

وفي عام 2016، أثارت قطر تحفظًا واضحًا على ترشيح أحمد أبو الغيط، بسبب دوره في نظام مبارك، لكنها وافقت لاحقًا “حفاظًا على وحدة الصف”، بحسب تصريحات رسمية.

اليوم، ومع صعود الدور السياسي والاقتصادي لدول مثل السعودية والإمارات وقطر، تتزايد المؤشرات على أن هذه الدول قد لا تقبل بمواصلة مصر لاحتكار المنصب دون منازع. وفي ظل غياب نص قانوني يمنح القاهرة هذا الحق الحصري، تبقى المعادلة رهينة التفاهمات السياسية وموازين القوة خلف الأبواب المغلقة.

الجامعة في مفترق طرق.. بين إرث الماضي وتحديات المستقبل

في زمن تشهد فيه الجامعة العربية تآكلًا في الدور والتأثير، ومع تزايد الأزمات الداخلية بين الدول الأعضاء، فإن عملية اختيار الأمين العام المقبل ستكون أكثر من مجرد تسليم منصب. هي رسالة حول طبيعة النظام العربي القادم: هل سيبقى محكومًا بالتقاليد القديمة، أم سينفتح على واقع عربي جديد تشكّل فيه قوى خليجية ومغاربية صاعدة أوزانًا مؤثرة؟

سيكون اسم الأمين العام الجديد بمثابة مرآة لموازين القوى العربية في لحظتها السياسية القادمة، وقد لا يكون التغيير في الشخص فقط، بل في فلسفة المنصب وديناميكية الجامعة نفسها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى