كلمة السفيرة/ د.هيفاء ابوغزالة الأمين العام المساعد – رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية فـي المؤتمر الوزاري رفيع المستوى حول المرأة والامن والسلام
متابعة رفعت عبد السميع
السيد الدكتور/ معز دريد، المدير الإقليمي بالنيابة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية.
سعادة السفيرة/ ريكا إيلا، سفيرة جمهورية فنلندا لدى جمهورية مصر العربية.
أصحاب المعالى، السيدات والسادة رؤساء ومديري المنظمات الدولية والاقليمية،
يسعدني أن أفتتح معكم اليوم أعمال المؤتمر الوزاري الرابع رفيع المستوى حول المرأة والأمن والسلام والذي يُعقد تحت عنوان “تعزيز الحماية والاستجابة الشاملة لاحتياجات النساء في مناطق النزاع: النساء يواجهن الحروب”، في ظل ظروف عصيبة تشهد فيها المنطقة العربية حروب ونزاعات ارتفعت ضراوتها وحدتها، خاصة في غزة ولبنان.
يُعقد مؤتمرنا اليوم بعد مرور أكثر من عام على مأساة غزة، عام من القتل والتدمير والتهجير القسري والابادة الجماعية، عام هُدرت فيه كرامة المرأة الفلسطينية وانتُهكت حقوقها، فهي تتحمل بمفردها وطأة ويلات هذه الحرب وتداعيتها من قهر، وعنف، وظروف كارثية تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة……ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، منذ عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، بلغ عدد مجموع الشهداء في قطاع غزة 44,211 من بينهم 17,492 طفل و11,979 امرأة. وبلغ عدد المفقودين من النساء والأطفال 4,700. والأرقام في تزايد كل يوم.
إن المرأة الفلسطينية تدفع ثمنًا باهظًا جراء ممارسات الاحتلال الاستعماري واعتداءاته المتواصلة بحقهن منذ أكثر من 75 عاماً، وقد تصاعدت هذه الممارسات بسبب الصمت على الجرائم التي تُمارس على مرأى ومسمع كل العالم….. وللأسف، لازالت النساء والفتيات تنتظر انقاذاً لا يأتي.
لقد حدث ما كنا جميعاً نخشى من وقوعه، لقد تحركت يد القتل والتخريب من غزة إلى لبنان منتهكاً السيادة اللبنانية، وتعرض سكانه إلى ضربات عشوائية غاشمة لم يروا مثيلاً لها منذ عقدين. يتحمل نساء وأطفال لبنان تبعات ذلك دماراً ونزوحاً.
وفى السودان واليمن ثمة أزمات إنسانية هي الأخطر في العالم نتيجة لحروب مشتعلة وصراعات متعددة وعدم استقرار، تتحمل النساء فيه العبء الأكبر وتدفع ثمن استمراره وتداعياته…. فهم يتعرضن لأشكال متعددة من العنف بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب والاعتقال، ويعشن الرعب والخوف وعدم اليقين.
ففي ظل هذه الأزمات التي تتصاعد بشكل ملحوظ، وما ترتب عليها من خسائر هائلة في الأرواح، وموجات كبيرة من النزوح واللجوء، وتفكك الشبكات الاجتماعية، وفقدان مصادر الدخل وفرص التعليم والرعاية الصحية، ومع اقتراب الذكرى الخامسة والعشرون لصدور القرار 1325، ارتأت جامعة الدول العربية ان هناك حاجة مُلحة لعقد المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والامن والسلام في هذا التوقيت على وجه التحديد لتجديد مسؤوليتنا المشتركة وتنسيق الجهود الإقليمية والدولية لتعزيز الحماية والاستجابة الشاملة لاحتياجات النساء في مناطق النزاع.
يأتي انعقاد المؤتمر الوزاري ايضاً ضمن جهود جامعة الدول العربية للدفع بعجلة تنفيذ اجندة المرأة والسلم والأمن وقرار مجلس الامن 1325(2000) وفق نهج شمولي يتماشى مع أولويات المنطقة….. فقد عملت جامعة الدول العربية بشكلٍ دؤوب جنبًا إلى جنب مع منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية المعنية من أجل حماية المرأة من كافة أشكال العنف اثناء الحروب والنزاعات المسلحة وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك لتمكينها وضمان مشاركتها الفاعلة في جميع عمليات صنع وبناء السلام اعترافاً بدورها كشريك رئيسي في كافة مسارات السلام.
تجسد هذا الاهتمام في إطلاق العديد من المبادرات الإقليمية الهامة، على رأسها تأسيس ” لجنة الطوارئ لحماية النساء أثناء النزاعات المسلحة”، وكذلك “الشبكة العربية للنساء وسيطات السلام” كمبادرة جادة تدعم دور النساء في الوساطة والجهود الدبلوماسية وتُلبى في الوقت ذاته احتياجات جوهرية في ترسيخ السلم والأمن الدوليين……وفى العام الماضي، قامت جامعة الدول العربية بتحديث الاستراتيجية الإقليمية حول المرأة العربية والامن والسلام، والتي تُعد حجز الأساس لتنفيذ اجندة المرأة والامن والسلام في المنطقة، لتتواكب مع المستجدات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية.
الحضور الكريم،
لا يوجد في العالم تهديداً للسلم والأمن الدوليين أخطر مما نواجهه اليوم في فلسطين ولبنان، هذا العدوان غير مسبوق في قسوته ودمويته ضد المدنيين، وانتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الانسان.
اليوم، وقف إطلاق النار لم يعد مطلباً عربياً، بل هو مطلب عالمي يحظى بإجماع مشهود، ففي يونيو 2024 صدر القرار 2735 مطالباً بوقف إطلاق النار، وفى يوليو صدر الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية ليبلور جذور الصراع ويحصرها في استمرار الاحتلال غير القانوني لأرض فلسطين… ورغم صدور هذه القرارات العاجلة والملحة من أعلى جهات القرار الدولي الإ انها لا تُنفذ ولا تُفعل.
آن الأوان لتدخل حاسم من المجتمع الدولي لإنقاذ النساء وحمايتهم وفقاً لقرار 1325 واجندة المرأة والسلم والامن. وأمامنا اليوم فرصة حقيقية للخروج من هذا المحفل الهام برسالة قوية مفادها أن النساء في كافة انحاء العالم تستحق ان تعيش بكرامة وحرية في عالم خالياً من الصراع والدمار.
من هذا الجمع الهام، فإن جامعة الدول العربية تؤكد أن أمن وسلام المرأة لن يتحقق إلا إذا توقفت آلة الحرب، علينا جميعاً، ممثلي دول ومنظمات دولية وإقليمية ومجتمع مدني، ان نتحرك قبل فوات الأوان وإلا سنجد أنفسنا أمام سلسة لا تنتهي من الدم والخراب. النساء والفتيات هم أولى ضحاياها.
وفي هذا المقام، تجدد جامعة الدول العربية الدعوة إلى:
الاستمرار في المطالبة بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في قطاع غزة ولبنان، ورفض التهجير القسري، والسماح بدخول كافة المساعدات الإنسانية بدون أي معوقات.
مطالبة المجتمع الدولي بالتأكيد على الدور الهام والفاعل لوكالة الأونروا في تقديم خدمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية وضرورة مساندة الدول للوكالة على كافة الأصعدة وزيادة الدعم المقدم لتمكينها من الاستمرار في اداء مهامها في جميع مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية، وقطاع غزة، الأردن، سوريا، لبنان)، ولا سيما الخدمات المتعلقة بالتعليم والصحة، وتسهيل عملها في ظل الممارسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تقويض عمل وكالة الاونروا.
حث جميع المنظمات الدولية المعنية بسرعة تقديم كافة الاحتياجات الإنسانية والاغاثية العاجلة في غزة ولبنان والسودان.
تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه رفع الظلم وإنهاء الاحتلال عن الشعب الفلسطيني، والالتزام بتطبيق الأطر القانونية الدولية لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، والاجندة الدولية للمرأة والامن والسلام.
تكثيف العمل الجماعي لمعالجة العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة بشكل أكثر شمولية في كافة جهود صنع وبناء السلام.
العمل على تنفيذ برامج الادماج الاقتصادي وإعادة إدماج النساء، بما فيهم اللاجئات والنازحات وضحايا النزاعات لضمان استقرارهن على المدى الطويل.
وفى نهاية كلمتي، أدعو كافة الجهات المشاركة إلى استكمال الطريق نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، والاستثمار في قدرات النساء من أجل بناء وحفظ السلام.
واتوجه بخالص الشكر الى جمهورية فنلندا على دعمها لأجندة المرأة والامن والسلام، والمكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، الشريك الرئيسي في تنظيم المؤتمر، على التعاون المثمر والبناء. متمنياً أن تتوقف عن المرأة وأن تعيش كل الشعوب في أمان وسلام.