برز اسم الدكتور سامح سمير علي، أستاذ الميكروبيولوجي بجامعة طنطا والباحث الزائر وأستاذ التكنولوجيا الحيوية بجامعة جيانغسو الصينية، في منصّات الإعلام العلمي العالمية خلال الأيام الماضية، بعد أن تناولت وكالات دولية كبرى — بينها أسوشيتد برس (AP News) وPR Newswire — خبر فوزه بمشروع دولي جديد معتمد من المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين (NSFC) ضمن برنامج RFIS-II للباحثين الدوليين الشباب المتميزين؛ أحد أكثر برامج التمويل تنافسية على مستوى العالم بنسبة قبول تقل عن 10% وفق أحدث تقارير المؤسسة لعام 2024.
ويعكس هذا التمويل رفيع المستوى الثقة الدولية في قيمة المشروع وريادته العلمية، وفي الدور الذي يمكن أن تلعبه نتائجه في مواجهة التحديات العالمية للطاقة النظيفة وإعادة استخدام المياه الملوثة بالصناعات الثقيلة.
ثورة بيولوجية: خمائر من أمعاء النمل الأبيض تحوّل التلوث إلى طاقة
يعتمد المشروع على مقاربة مبتكرة توظّف خمائر زيتية متعايشة داخل أمعاء النمل الأبيض لتحويل المخلفات الصناعية العطرية المعقدة — مثل أصباغ الآزو واللجنين — إلى دهون حيوية تُستخدم لإنتاج البيوديزل.
ويُعد هذا النهج نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا الحيوية، إذ يقدم للمرة الأولى عملية مزدوجة الوظيفة:
- إزالة التلوث المائي الناتج عن الصناعات الثقيلة، وخصوصًا الأصباغ الصناعية التي تُعد الأصعب عالميًا في المعالجة.
- إنتاج وقود حيوي صديق للبيئة من النفايات ذاتها، في خطوة واحدة.
وتشير الدراسات المنشورة في معهد الوقود الحيوي بجامعة جيانغسو إلى أن الجهاز الهضمي للنمل الأبيض يعمل كمفاعل بيولوجي طبيعي فائق الدقة، قادر على تحليل مركبات معقدة للغاية، وتحويلها إلى مصادر طاقة قابلة للاستخدام. وقد أثبتت الخمائر المعزولة قدرتها على إزالة اللون من الأصباغ الصناعية، وفي الوقت نفسه تجميع الدهون اللازمة لإنتاج البيوديزل بكفاءة عالية.
دعم دولي وتقدير رسمي: عالم مصري في الصفوف الأولى للبحث العالمي
لا يأتي هذا الإنجاز العلمي بمعزل عن مسيرة بحثية لافتة للدكتور سامح سمير علي، الذي حصل خلال العام الماضي على الإقامة الدائمة في الصين تقديرًا لإسهاماته في الطاقة الحيوية والبيئة، كما جرى إدراجه ضمن أفضل 2% من علماء العالم وفق تصنيف جامعة ستانفورد العالمية.
وفي عام 2022، نال جائزة الدولة للتميز في العلوم الأساسية، ليعزز مكانته كأحد أبرز العلماء المصريين الشباب القادرين على المنافسة عالمياً وإنتاج أبحاث ذات أثر مباشر.
ذكاء اصطناعي لفك أسرار النظم الدقيقة
ويمتد المشروع الجديد إلى زاوية حيوية أخرى، حيث يجري العمل على دمج الذكاء الاصطناعي في دراسة التفاعلات البيوكيميائية داخل هذا النظام الحيوي المذهل، بهدف:
- تصميم خمائر أكثر قدرة على تحمّل الظروف الصناعية القاسية.
- تسريع الانتقال من تجارب المختبر إلى تطبيقات صناعية واسعة.
- تطوير أنظمة معالجة مياه متقدمة تعتمد على التحويل الحيوي للنفايات.
ويفتح هذا الدمج بين التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي الباب أمام ثورة جديدة في تحويل النفايات إلى طاقة، وتعزيز التوجّه العالمي نحو اقتصاد أخضر دائري.
دعم الأمن المائي والطاقي… ورؤية مستقبلية مستدامة
يأتي هذا المسار العلمي بما ينسجم مع اتجاهات العالم نحو حلول مبتكرة تعزز:
- إعادة استخدام المياه الصناعية في نظم الزراعة الذكية.
- خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الوقود الأحفوري.
- توفير مصدر طاقة متجدد لا ينافس المحاصيل الغذائية.
- تحويل النفايات الخطرة إلى قيمة اقتصادية يمكن استغلالها.
وهو ما يجعل من هذا المشروع نموذجًا بيئيًا–طاقيًا واعدًا، يوازن بين حماية البيئة وتحقيق عوائد اقتصادية وصناعية مباشرة.
السؤال الذي يشغل العلماء: هل حان الوقت لنتعلم من النمل الأبيض؟
مع تنامي الاهتمام الدولي بهذا المسار البحثي، تتجه الأنظار إلى هذا “المفاعل البيولوجي الطبيعي” الذي ظل يعمل في صمت عبر ملايين السنين.
فالخمائر الدقيقة التي تعيش في أمعاء النمل الأبيض قد تحمل مفاتيح طاقة المستقبل، وربما تساهم في إعادة صياغة علاقة الإنسان بالنفايات الصناعية وبمصادر الطاقة غير المتجددة.
وكما يؤكد الدكتور سامح سمير علي:
«إن أهم فصول هذه القصة العلمية الملهمة لم يُكتب بعد».
