
متابعة رفعت عبد السميع
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1973 بمبادرة مغربية ، بالإجماع ، على قرار اعتمادها لغة رسمية أثير نقاش حول مكانة هذه اللغة التي يتحدث بها حوالي 467 مليون نسمة في المنطقة علما أن احتفال سنة 2025 نظم تحت شعار : ” مسارات مبتكرة للغة العربية..” .
إن اللغة العربية التي طالما رموها بالعقم ، ببلاغة شاعر النيل حافظ إبراهيم ، والتي تعرضت لنوع من الحيف لاعتبارات تاريخية واجتماعية وايديولوجية مقابل تمجيد للغات شكسبير وموليير وسيرفانتس ، تواجه تحديات جديدة ذات صلة في العمق بالعولمة ، والهوية الثقافية ، وتجويد التنافسية في الخريطة اللغوية العالمية في سياق تحولات الزمن الرقمي .
ومن هنا ، ضرورة الإقدام على وضع خطط وسياسات ناجعة لتقويم المناهج التربوية والتأهيل اللغوي
وتشجيع صناعة محتوى مبتكر وملائم في ظل انتشار العاميات والمفردات اللاتينية والهجينة خاصة مع خضوع هذا المحتوى للترجمة الآلية بانعكاساتها السلبية على نقاوة البنية اللغوية،والأدهى من ذلك ، على نمطية التفكير وخاصة لدى الشباب باعتباره الشريحة الأكثر استخداما لمنصات التواصل الاجتماعي .
إن المحتوى العربي الذي يشكل بحسب تقديرات منظمة “اليونسكو” في 2025 نسبة في حدود 3% من إجمالي المحتوى على شبكة الإنترنت يستلزم استغلال الفرص الواعدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي على مستوى التطوير والخدمات التقنية لا سيما مع التحسن النسبي للتعليم الإلكتروني ، والتحول الرقمي الحاصل بمجموعة من الدول العربية.
إن اللغة ، أي لغة ، تعد مكونا أساسيا للهوية وأداة لا غنى عنها للسيادة الوطنية . ومن ثم ، لا محيد من جهد جماعي لجعل اللغة العربية منتجة للمعرفة ومتفاعلة مع التطور التكنولوجي ، ومنسجمة مع روح العصر بعيدا عن الأساليب التقليدية والانكفاء اللغوي .
إن لغة الضاد، هذه اللغة العريقة والثرية ، التي ترمز لإرث روحي وفكري وإبداعي ترك إسهامات ملهمة في بناء الحضارة الإنسانية ، تظل من دعائم نجاح أي مشروع نهضوي وتنموي حقيقي .كما أنها من القواسم المشتركة الراسخة بين البلدان العربية في الوقت الذي يسمح لمثيلاتها الاعضاء في الاتحاد الأوروبي استخدام 24 لغة رسمية ، فضلا عن وجود 200 لغة غير رسمية.
والثابت ، أن مستقبل اللغة العربية يبقى ، أولا وأخيرا ، بأيدي الناطقين بها بالاعتماد على قدراتهم الخلاقة في انفتاح على اللغات الحية والثقافات العالمية ، وفي احترام للتعددية اللغوية والثقافات الوطنية بروافدها المختلفة في العالم العربي.




